تفعيلات بحر السريع - موسيقى الشعر وسر جماله

تفعيلات بحر السريع

تفعيلات بحر السريع
تفعيلات بحر السريع: موسيقى الشعر وسر جماله

يعتبر البحر السريع أحد أهم البحور الشعرية في الشعر العربي، ويتميز بجماليته الخاصة وإيقاعه المميز الذي سحر قلوب محبي الشعر عبر العصور. ولطالما كان هذا البحر المفضل لدى العديد من الشعراء الكبار لما يتمتع به من مرونة وقدرة على التعبير عن مختلف المشاعر والأحاسيس. وفي هذا المقال، سنغوص في أعماق بحر السريع لنستكشف تفعيلاته وأسرار جماله ودوره في صياغة بعض من أروع القصائد في تاريخ الأدب العربي.

التعريف ببحر السريع

بحر السريع هو أحد البحور الشعرية الخليلية، التي سميت نسبة إلى الخليل بن أحمد الفراهيدي، عالم اللغة والأدب العربي الذي وضع أول نظام لعلم العروض في القرن الثامن الميلادي. ويعد بحر السريع من البحور الدائرة، أي التي تدور حول تفعيلة واحدة، وهي في حالة بحر السريع "مُستفعلن". ويصنف هذا البحر ضمن البحور التامة، أي التي تتكون من ستة أجزاء، أو تفعيلات، في كل شطر.

ويمكننا تمثيل دائرة بحر السريع كما يلي:

مُستفعلن | مُستفعلن | مُستفعلن | مُستفعلن

وهكذا، يكتمل البحر في كل شطر من خلال تكرار هذه التفعيلة أربع مرات. ومن الجدير بالذكر أن بعض الشعراء قد يقومون بإدخال بعض التغييرات أو الزحافات والعلل على هذه التفعيلات لإضفاء تنوع موسيقي على القصيدة، وهو ما سنناقشه لاحقاً في هذا المقال.

التفعيلات الأساسية في بحر السريع

كما ذكرنا سابقاً، التفعيلة الأساسية في بحر السريع هي "مُستفعلن". وتتكون هذه التفعيلة من سببين خفيفين، "مُست"، وسبب ثقيل، "فعلن". ويمكننا تفصيل ذلك كما يلي:

"مُ": سبب خفيف يتكون من متحرك واحد، وهو هنا حرف الميم المضموم.

 "ست": سبب خفيف يتكون من متحرك وساكن، وهما هنا حرفا السين والتاء.

"فعل": سبب ثقيل يتكون من متحرك وساكن ومتحرك، وهي هنا حروف الفاء والعين واللام.

ومن المهم ملاحظة أن السبب الخفيف في علم العروض يجب أن يتكون إما من متحرك واحد، كما في "مُ"، أو من متحرك يليه ساكن، كما في "ست". بينما السبب الثقيل يجب أن يتكون من متحرك يليه ساكن ثم متحرك، كما في "فعل".

الزحافات والعلل في بحر السريع

يستخدم الشعراء الزحافات والعلل لإضفاء تنوع موسيقي على قصائدهم، وتجنب التكرار الممل. وفي بحر السريع، هناك عدد من الزحافات والعلل الشائعة التي يمكن أن تطرأ على تفعيلاته، ومنها:

  • الخبن: وهو حذف الثاني الساكن من السبب الثقيل، فيصبح "فعلن" "فعل".
  • الطي: وهو حذف الرابع الساكن من التفعيلة، فيصبح "مُستفعلن" "مُستعلن".
  • الكف: وهو تسكين الخامس المتحرك من التفعيلة، فيصبح "مُستفعلن" "مُستفعلْ".
  • القبض: وهو حذف الخامس الساكن من التفعيلة، فيصبح "مُستفعلن" "مُستفعل".

ومن المهم أن نلاحظ أن هذه الزحافات والعلل لا تطرأ على التفعيلة بشكل عشوائي، بل هناك قواعد محددة تحكم استخدامها. فعلى سبيل المثال، لا يجوز اجتماع الخبن والطي في تفعيلة واحدة، حيث أن اجتماعهما يؤدي إلى اختلال في وزن الشطر.

أمثلة على استخدام بحر السريع في الشعر العربي

لقد استخدم العديد من الشعراء العرب بحر السريع في قصائدهم، ومنهم من أبدع فيه وأنتج روائع لا تزال خالدة حتى يومنا هذا. وفيما يلي بعض الأمثلة على استخدام بحر السريع في الشعر العربي:

  • يقول الشاعر العباسي أبو نواس في وصف الخمر:

يا خَليلىَّ أَرَى اللَيلَ لَيلَةَ قَمَرٍ *** بَسَطَت مِن وَصلِها الظَلماءُ أَجنِحَه

مُستَفعلن مُستَفعلن مُستَفعلن مُستَفعلن *** مُستَفعلن مُستَفعلن مُستَفعلن مُستَفعلن

  • وفي قصيدة أخرى، يصف أبو نواس جمال محبوبته:

قَد قَلتُ لِلحِشمَتينِ اِذهَبا *** فَاِترُكا مَن أَهوى وَدَعا سَجنا

مُستَفعلن مُستَفعلن مُستَفعلن مُستَعل *** مُستَفعلن مُستَفعلن مُستَفعلن

  • أما الشاعر أبو فراس الحمداني، فيقول في إحدى قصائده الشهيرة:

أقولُ وقد ناحت بقربي حمامةٌ *** أيا جارتا لو تعلمين بحالي

مُستَفعلن مُستَفعلن مُستَفعلن مُستَفعلن *** مُستَفعلن مُستَفعلن مُستَفعلن مُستَفعلن

  • وفي قصيدة أخرى، يعبر أبو فراس عن شوقه لوطنه وحنينه إليه:

أقولُ وقد سارَ الركابُ وقلبي *** يَميدُ لِفِراقِ الأَحِبَّةِ وَجِدا

مُستَفعلن مُستَفعلن مُستَفعلن مُستَفعلن *** مُستَفعلن مُستَفعلن مُستَفعلن مُستَفعلن

  • ومن الشعر الحديث، يقول الشاعر نزار قباني في قصيدته "بلقيس":

وَمَضَتْ سَنَةٌ بَعْدَ عَامِ الْفِرَاقِ *** وَلَمْ تَزَلْ تَحْمِلُنِي دَوَّامَةُ الْأَحْزَانِ

مُستَفعلن مُستَفعلن مُستَفعلن مُستَفعلن *** مُستَفعلن مُستَفعلن مُستَفعلن مُستَفعلن

سر جمال بحر السريع

يكمن سر جمال بحر السريع في إيقاعه المميز والمتناغم الذي يخلقه تكرار تفعيلته "مُستفعلن". فهذا الإيقاع المنتظم، مع التنوع الذي تتيحه الزحافات والعلل، يمنح الشاعر مرونة في التعبير عن مختلف المشاعر والأحاسيس. كما أن بحر السريع يتميز بقدرته على استيعاب المعاني المختلفة، من الغزل والرثاء إلى الفخر والمدح.

وعلاوة على ذلك، فإن بحر السريع يعتبر من البحور السهلة نسبياً في نظم الشعر، مما جعله مفضلاً لدى العديد من الشعراء على مر العصور. فسهولة وزنه تجعل منه بحراً مناسباً للتعبير عن الأفكار والمشاعر دون أن يتشتت انتباه القارئ أو المستمع بصعوبة الوزن أو القافية.

الخاتمة

بذلك نكون قد سلطنا الضوء على بحر السريع، أحد أهم البحور الشعرية في الشعر العربي، واستكشفنا تفعيلاته وأسرار جماله. ومن خلال الأمثلة التي ذكرناها، يتضح لنا كيف استطاع الشعراء عبر العصور توظيف هذا البحر للتعبير عن مشاعرهم وأحاسيسهم بأسلوب موسيقي ساحر. وختاماً، فإن فهم تفعيلات البحر السريع وقواعده يمكن أن يساعد محبي الشعر على تذوق جمالياته بشكل أعمق، وربما حتى محاولة نظم الشعر باستخدامه.

تعليقات